أصلحها ولا ترمها! عادة مفيدة يعلمها المربون لصغارهم

من منا لا يريد الحفاظ على أمواله من الضياع؟ والبيئة من الخراب؟ وممتلكاته من التلف؟

بالطبع كلنا نود ذلك، ولكن هل نسعى لهذه الغايات في حياتنا اليومية، وهل تتجسد رغباتنا هذه في ممارساتنا الحياتية التي يراقبها أبناؤنا الصغار ويقلدونها ويقتدون بها ويتشكل بها مستقبلهم؟

إن عادات أطفالنا وممارساتهم في المستقبل تتشكل من لحظة ولادتهم، وتتأثر تأثرًا كبيرًا بالبيئة حولهم وبتصرفات الكبار، وبالأخص الأمهات والآباء أو من يقوم مقامهم.

في الماضي كان إصلاح الألعاب المحطمة والأجهزة المعطلة والملابس الممزقة والممتلكات التالفة، أمرًا اعتياديًا يمارسه الجميع من مختلف الطبقات والأعمار والتخصصات، ولكن هذه العادة بدأت تتلاشى شيئًا فشيئًا، وحل محلها التخلص من التالف، واستبداله بشكل دوري ومتكرر، حتى أصبحت الاستهلاكية سمة من سمات الحياة العصرية، ومشكلة تهدد بيئتنا وصحتنا واقتصادنا.

إن (الإصلاح لا الرمي) موضوع مثير للنقاش وداعٍ للتأمل والتفكر، ولهذا نطرح لكم في هذا المقال إيجابيات هذا التصرف، وكيف يمكنكم تطبيقه في حياتكم، وتعليمه أبناءكم الصغار، وكيف يستفيدون هم من هذه العادة ويفيدون بها مجتمعهم وبيئتهم.

 

لماذا أصلح ممتلكاتي؟

ممتلكاتنا ملك لنا، هي مسؤوليتنا وعلينا الحفاظ عليها، ويجب أن يكون التخلص منها خطوة أخيرة ونادرة إذا نفذت جميع الحلول الأخرى.

 

وفوائد تعليم الأطفال إصلاح الممتلكات بدل رميها كثيرة، اخترنا لكم منها:

الشعور بالفخر والإنجاز

تزداد ثقة الطفل بنفسه وقدراته مع كل إنجاز وكل عمل ينهيه، ويعد إنجازًا له إصلاح لعبة مكسورة، أو حتى المشاركة في إصلاحها بإشراف شخص راشد إذا كان فيها خطر عليه.

كما تتوسع مداركه وإيمانه بنفسه ويشعر أن كل شيء ممكن، وأن إصلاح الأعطال ليس فقط للكبار والمختصين، مما يكسر حاجز الخوف والشعور بالعجز في نفس الطفل، ليشعر بأنه قادر على أي شيء.

 

تحمل المسؤولية والحفاظ على الممتلكات وتقديرها

إن من شكر النعم، المحافظة على الممتلكات، فهي من الهبات والنعم الواجب علينا المحافظة عليها وصيانتها.

إصلاح الممتلكات بدل رميها يقوي علاقتنا بممتلكاتنا، ويتعلم منها أطفالنا تصحيح أخطائهم والعيش مع عواقب

تصرفاتهم، وأهمية الحفاظ على الممتلكات.

وهذا درس لا يتعلمه الطفل جيدًا إذا كانت جميع ممتلكاته التالفة تُستبدل بأخرى جديدة أفضل وأجدد منها.

كما أن في إصلاح الممتلكات التالفة رمزية جميلة تعلم الأطفال درسًا حياتيًا مهمًا، وهو أن بعض الأمور لا تعود كما كانت، حتى لو أصلحها، سيبقى أثر العطل أو الكسر واضحًا عليها.

 

التقليل من الاستهلاك والعادات الاستهلاكية الخاطئة

العادات الاستهلاكية الخاطئة تزداد مع كثرة المنتجات الاستهلاكية وانخفاض أسعارها والحملات الإعلانية الكثيرة التي تحيط بنا وبأطفالنا يوميًا وتسكن في عقولنا بلا وعي منا في بعض الأحيان.

ولهذا فإن علينا التوقف والتفكر في ممارساتنا الاستهلاكية، وانتقاء ما نشتري بحرص، وألَّا ندع الرغبة في الحصول على كل جديد تقود تصرفاتنا، فنحن أول متضرر من هذه الممارسات.

للمزيد حول هذا الموضوع ندعوكم للاطلاع على مقال: كيف نحمي أطفالنا من الاستسعار الاستهلاكي؟

 

الاقتصاد وعدم التبذير

إصلاح الممتلكات بدل رميها يحفظ أموالنا ويزيد من وعينا في الإنفاق والاستهلاك، والمصروفات التي يراها الإنسان قليلة ولا يلقي لها بالًا، لها أثر سلبي كبير على أوضاعه المالية إذا لم ينتبه لها ويكون حذرًا في مصاريفه.

وكل طفل يرث من والديه الوعي الاقتصادي منذ الطفولة سيكون شاكرًا لهم على هذا طوال حياته، فالوعي

الاقتصادي والمسؤولية المالية من صفات الناجحين.

 

المشاركة الفعالة في الحفاظ على البيئة

إصلاح الممتلكات بدل رميها يحافظ على البيئة ويحميها من تبعات الاستسعار الاستهلاكي والأخطار البيئية التي تهددها، فالتخلص من الممتلكات ليس فعلًا تخلصًا منها؛ لأن معظم المنتجات الاستهلاكية لا تتحلل طبيعيًا بل تتجمع في مكبات النفايات وتتراكم، والحل الوحيد لهذه المشكلة وهذا الخطر هو التقليل والحد من الاستهلاك.

وتعليم الأطفال الإصلاح بدل الرمي طريقة فعالة للحفاظ على البيئة بممارسات مستدامة وعادات تبقى معهم إلى الكبر، حيث أكد المختصون أن حجم المخلفات التي يتركها الإنسان في عصرنا الحالي كبيرة جدًا، لا يحلها إعادة التدوير، وأن أغلب المنتجات المرمية لا يُعاد تدويرها.

ومشكلة تراكم المخلفات في البر وفي البحر خطر يهدد الأرض التي كلفنا الله -سبحانه وتعالى- بإعمارها.

 

تشغيل العقل والتفكير واكتساب مهارات جديدة

إصلاح الممتلكات بدل رميها يكسبنا وأبناءنا مهارات متنوعة ومفيدة، ويزيد من إنجازاتنا.

إن الأطفال متعطشون للعلم والمعرفة ومتلهفون لتعلم الجديد واكتساب المهارات الجديدة، وفوائدها عليهم كثيرة، وبالأخص المهارات اليدوية التي تقوي التآزر بين القدرات العقلية وعضلات اليد.

وفي حديثنا هذا ننوه على أن الحرص على الأبناء والأخذ باحتياطات الأمن والسلامة لا يتنافى مع تعليمهم مهارات يدوية بسيطة تتناسب مع أعمارهم وقدراتهم، كاستخدام الصمغ والمقص والخيط والإبرة والمفكات والمطرقة.

 

المحاولة والإصرار

إصلاح الأشياء محاولات قد تنجح أو تفشل، تعلم الأطفال المحاولة والإصرار والتعايش مع الفشل، بل التعلم منه في المحاولات القادمة.

كما أن عالم الإصلاح واسع جدًا، فإذا بدأ أطفالنا من سن صغيرة بإصلاح ممتلكاتهم بأساليب بسيطة، كالغراء أو الخياطة أو التركيب، ينتقلون بعدها بالمحاولات، ويتدرجون مع تقدمهم في العمر إلى الأجهزة الإلكترونية والأعطال المنزلية والكهربائية والبناء والتركيب وإصلاح السيارات والمراكب وغيرها من الاحتمالات التي لا تعد ولا تحصى.

 

إن أفضل ما يقدمه المربون والأهالي لمجتمعهم هو تنشئة أبناء واعين لهم دور إيجابي وفعال في مجتمعهم وبيئتهم.

وأفضل ما يقدمونه لأبنائهم هو تسليحهم بأساليب وعادات إيجابية مستدامة تجعلهم مواطنين صالحين، مفيدين للبشرية، يعمرون الأرض بما ينفعهم وينفع من يأتي بعدهم.

Scroll to Top