الأطفال وحقيقة الأمراض الخطيرة

أحد أكثر اختبارات الحياة قسوة عندما يمرض أحبتنا، نتألم من أجلهم ونشعر بالعجز أمام أوجاعهم ونتمنى ونصلي لعلنا نجد الأمل.

عند تشخيص أحد أفراد الأسرة بمرض مستعصي ورغم قسوة المشهد الذي تتمنى لو أنك لم تتواجد فيه أو أنك فقط على قيد كابوس سيء سينتهي قريبًا على الشخص البالغ أن يكون أكثر تماسكًا، ويتصالح مع حقيقة أن مرض من نحب شيء وارد الحدوث في حياتنا القصيرة، كما يحدث مع الكثير من الأشخاص في العالم، حيث يبلغ مثلًا عدد المصابين بمرض السرطان في العالم حسب منظمة الصحة العالمية نحو 18,1 مليون إصابة في عام 2018، فيما تتوقع أن يتراوح العدد بين 29 و37 مليون حالة في عام 2040.

الملايين من العائلات تعاني بسبب مرض أحبتهم، أبنائهم، أبويهم، أقاربهم، سواء كانت أمراض مستعصية أو غير مستعصية.

ولكن ماذا عن أطفال أولئك العائلات كيف يتم التعامل معهم؟ هل يتم الكذب عليهم لحمايتهم؟ كيف نخبرهم؟

إن المرض الذي يصيب شخص ما من أفراد العائلة أو من المقربين منا، يخلق عدة اضطرابات في مسار حياتنا حيث تنقلب رأس على عقب كل مخططاتنا ويؤثر سلبًا على أسلوب حياتنا، أفكارنا، حتى طريقة نظرتنا للحياة، وكما يحتاج المريض منّا الجهد والعاطفة في مساعدته وتوفير أقصى ما نملك من مشاعر وطاقة لمساعدته في رحلة علاجه يجب ألَّا نهمل تأثيره على أطفال العائلة، وأن نبذل جهدًا آخر ونخطط للطريقة المثلى لكيفية إخبار الأطفال وطرق العناية بهم خلال رحلة العلاج.

على الكبار في العائلة أن يحاولوا التماسك قدر المستطاع وأن يتعاملوا مع المتغيرات بأكبر قدر من الحكمة والتخطيط، كثير من الأشخاص يفضلون إخفاء الحقائق على الأطفال لكنها ليست فكرة جيدة، الأطفال صادقون ويشعرون بالأشياء التي تحدث أكثر من غيرهم، لذا من المهم مساعدة الأطفال على منحهم مهارات تساعدهم على تفهم الأمر والتغلب عليه.

يختلف طبيعة الحديث حسب عمر الطفل، فالأطفال الأصغر سنًا لن يتمكنوا من فهم طبيعة ما يحدث، أما الأكبر سنًا من لديهم القدرة على إدراك جزءًا مما يحدث داخل الأسرة قد يعيشون مشاعر من القلق والخوف أو الشعور بالذنب، لذا من المهم اتباع الخطوات التالية عند التحدث مع الأطفال:

1-  لا بد أن نؤكد لهم أن الله رحمن رحيم، وقد يتساءل الطفل “إذا الله رحيم، لماذا نصاب بالمرض؟” لذلك علينا أن نوضح له أن المرض وإن كان في ظاهره سلبي إلَّا أنه يوجد به حكمة قد لا نعلمها، ويجعل العائلة أقرب لبعضها البعض، ويظهر أقوى ما لدى الإنسان، ويعلمه الصبر، ويزيد إيمانهس ويجعله يقترب من الله أكثر، ويتمسك برحمته ليتجاوز هذه الصعوبة.

2-  على الأبوين أو الأشخاص المسؤولين على رعاية الأطفال أن يتفقوا في البداية على ما سيقولون وكيف سيقولون، وأن يدركوا تأثير الحديث النفسيّ على أطفالهم، أي كيف ستكون نتيجة إخبارهم، مثلًا بعض الأطفال قد يصيبهم الهلع أو التشنج أو البكاء وغيره من الأعراض، يمكن للأبوين التنبؤ بردود أفعال أبنائهم، ومن خلال التوقع المسبق يمكن التجهيز لإدارة تلك المشاعر والسيطرة عليها.

3- اختيار المكان والوقت المناسب، اختر وقتًا مناسبًا لك وللأطفال للتحدث، لا تخبرهم بشكل فجائي ومتسرع في خضم انشغالك بأمر ما، يجب إعطائهم كامل انتباهك واهتمامك مع تجنب الإسهاب بتفاصيل غير ضرورية لن يفهمها الطفل.

4- مراعاة استخدام الكلمات البسيطة مع الأطفال الأصغر سنًا، وشرح الأمر بطريقة مُبسطة دون استخدام الكذب.

5- أخبر الأطفال بما سيحدث من تغييرات خلال فترة العلاج على جسد الشخص المريض، مثلًا لو كان الشخص مصاب بمرض السرطان، أخبره عن مضاعفات العلاج الكيميائي حتى يستعد الطفل نفسيًا لتلك المتغيرات، ولا يخاف من سقوط شعر المريض بشكل مفاجئ.

6- من الطبيعي أن يشعر أحد الأبوين أو كلاهما بالخوف والقلق نتيجة المرض، لا بأس من مشاركة تلك المشاعر مع الأطفال سوف يعلمهم بأنه من الطبيعي الإحساس بها، وسيقوم الطفل بطرح العديد من الأسئلة، قم بالإجابة عليها جميعًا بما يتناسب مع عمره، لا تستخدم الكذب بل كن صريحًا معه؛ لأن الطفل إذا شعر بأن أبويه يقومان بحجب مشاعرهم عنه لحمايته سيفعل نفس الشيء، ويقوم بالاحتفاظ بمشاعره لنفسه لكي يحمي أبويه.

7- عند التحدث مع الأطفال لا تستخدم مسميات أخرى للمرض، أو الإشارة عليه من بعيد، مثل عبارة “ذاك المرض” أو “المرض العاطل”، استخدم المصطلح الطبي للمرض وأخبر الطفل بمعلومات حول المرض وأنه لن ينتقل إليه.

8- قدم الطمأنينة للطفل، أخبره بأن مهما سيحدث سيكون هناك من يعتني به دائمًا، وأفسح له المجال للتحدث بكل ما يدور بعقله.

9- لا تتردد في طلب المساعدة من الاختصاصيين النفسيين، الأصدقاء، أشخاص ممن تثق بهم لو شعرت بأنك غير قادر على السيطرة أو التعامل مع الأمر.

 

لماذا يجب التحدث بصدق مع الأطفال؟

1- لأن الأطفال يلتقطون بعض التفاصيل سواء داخل البيت أو خارجه، يستمعون لبعض المحادثات التي تدور حولهم، يلاحظون القلق والخوف على وجوه الكبار، لذلك إخفاء الأمر قد يجعلهم أكثر قلقًا، والتحدث بمصداقية معهم يؤهلهم للسيطرة على مشاعرهم بأنفسهم، كما سيعزز مبدأ الثقة بين الآباء والأبناء، ويعلم الأطفال التعبير عن أنفسهم وعدم إخفاء أي شيء عن آبائهم.

2- بعض الأطفال قد يعتقدون بأن المرض أصاب أحبتهم بسبب خطأ قاموا بفعله، ويحمّلون أنفسهم ذنب ما يحدث لذا من المهم جدًا إخبارهم بأنه لم يكن خطأهم.
وفي حال كان المرض ليس خطيرًا مثل الأمراض المزمنة أو الأمراض القابلة للعلاج، إخفاء المعلومات عن الطفل قد يجعله يعتقد بأنها أمراض خطيرة، لذا إخباره معلومات عن المرض كما ذكرنا من الخطوات المهمة التي يجب اتباعها عند التحدث مع الأطفال.

3- قد يعتقد بعض الأهالي بأن السماح للأطفال بزيارة ذويهم بالمشفى يضر بصحتهم النفسية، ولكن على العكس من ذلك السماح لهم برؤية ذويهم يساعد في تخفيف المشاعر السلبية لديهم، حيث يقلل من مخاوفهم؛ لأن الطفل في حال عدم تمكنه من رؤية ذويه سيعتقد بأنه في حالة خطرة مما يساهم في تعزيز مشاعر القلق ويؤدي إلى ظهور مشاكل في النوم.

 

أخيرًا يجب التأكيد للأطفال بأن الله دائمًا رحيم، وأنه حتى الأنبياء أصابهم المرض، وأنه كما قال تعالى: “إن مع العسر يسرى…”.

ويجب أن يتم مد المدرسة أو رياض الأطفال التي يدرس فيها الطفل بالمعلومات اللازمة حول مرض ذويه، لمساعدته ومتابعته ودعمه على المستوى الدراسي والنفسي.

Scroll to Top