الانتباه الجزئي المتواصل والتواصل مع الطفل

أحدثت التكنولوجيا ثورة في الطريقة التي نتواصل بها، وجعلت من عالمنا الواسع “قرية صغيرة” كما يقولون، إلى حد يصعبُ فيه تخيل هذا العالم دون هواتفنا الذكية، دون منصات التواصل الاجتماعي، دون النظر كل دقيقة للإشعارات القادمة من هذا الكم الهائل من التطبيقات التي تتنافس فيما بينها على سرقة وقتنا المحدود في هذه الحياة.

مثلًا عندما نسافر أول شيء نفكر فيه هو السباق على اِلتقاط الصور حتى قبل أن نشعر بالدهشة الأولى أمام جماليات المكان، قبل أن ننتبه لروعة وثقافة المكان، ونتفادى النظر للتفاصيل الصغيرة الجميلة التي تستدعي منا إغلاق هواتفنا والتأمل فيها! حتى الزيارات العائلية يكاد من المستحيل أن تجد فردًا يغلق هاتفه ويتواصل مع من حوله بشكل جيّد.
أصبحت التجارب واللحظات والمواقف والذكريات غير كاملة ينقصها بساطة وسعادة العيش دون هذا التطور الهائل في التكنولوجيا.

من المهم أن يعرف الآباء بأن تأثير التعلق بتلك المنصات وقضاء فترة طويلة عليها لا يؤثر عليهم ويسرق منهم أثمن لحظاتهم فقط، وإنما يؤثر على نمو أطفالهم.

ليس المطلوب هنا الانقطاع الكلي عن استخدامها، ولكن المطلوب تجنب الانقطاع عن التواصل مع أطفالهم من أجل استخدامها.

الانتباه الجزئي المتواصل أو الاهتمام الجزئي المستمر، هي عملية تواصل تركز على الاهتمام الفوري على عدد من مصادر المعلومات الواردة، ولكن بمستوى سطحي، وقد تم صياغة هذا المصطلح على يد الكاتبة الأمريكية “ليندا ستون”.

إن طبيعة الحياة الحديثة ومتطلباتها تأخذ أساسًا معظم وقت الآباء، بدءًا من ساعات العمل الطويلة لتوفير قوت العائلة أو العلاقات الاجتماعية التي تفرض على الآباء واجبات تستدعي أيضًا أخذ جزء كبير من أوقاتهم.

إذًا ما الذي يظل للأطفال بعد انشغال آبائهم المستمر عنهم بهواتفهم المحمولة ساعات طويلة؟

أصبح الأمر أشبه بغياب عاطفي وحضور جسدي للآباء فقط، وهذا يولد تبعات نفسية سلبية، أهمها شعور الأطفال بالتجاهل أو الإهمال مما يخلق فجوة عاطفية بين الآباء وأطفالهم ويؤثر على عملية التطور النفسي والعاطفي للأطفال الذين قد تظهر عليهم نوبات من الغضب أو أعراض فرط الحركة، ويؤثر سلبًا على مهارات التواصل الاجتماعي لديهم، وهذه تبعات يمكن تجنبها عند إدراك خطورة عملية التواصل الجزئي المتقطع مع أطفالنا وتأثيرها على قدرات أطفالنا العقلية والعاطفية.

بعض الآباء يعتقدون بأن واجباتهم أمام أطفالهم تقتصر على توفير أساسيات الحياة من مأكل ومشرب وملبس وتعليم داخل المؤسسات التعليمية، ويتم إغفال الجوانب العاطفية التي يتم صقلها بالحوار والتحدث الدائم مع أطفالهم وأهميته في بناء هوية الأطفال، وتطور ذكائهم العاطفي، خاصة بالسنوات الأولى من عمر الطفل الذي لم تتكون عنده بعد القدرة على التفكير باستقلالية، ولم يتكون الوعي لديه بذاته أو كيف يواجه مشاعر عاطفية معينة مثل الحزن أو القلق أو الخوف.

تكمن أهمية مشاركة الآباء أبنائهم بالتفكير من خلال الحوار في تعرف الطفل على ذاته وإدراكه كيفية التعامل مع مواقف الحياة المختلفة، ومن المهم توفير مساحة آمنة للطفل للتعبير عن نفسه بحرية داخل أسرته دون الاستخفاف أو الاستهزاء بما يتحدث به الطفل أو يسأل عنه، الأمر الذي يمنحه الثقة بنفسه ويحول دون اضطراره استخدام الكذب مع أبويه، بل يؤهله للتحدث بما يشعر به بمصداقية، ويعزز من مهاراته في التواصل الاجتماعي مع محيطه وقدرته على التعرف على مشاعر الآخرين.

 

كيف يمكن تفادي إهمال أطفالنا والتواصل معهم في ظل الظروف الراهنة؟

يمكن للآباء تجنب التبعات النفسية للتواصل المتقطع مع أطفالهم من خلال تحقيق التوازن بين الانشغال بمتطلبات الحياة الأساسية والتواصل الجيّد مع أبنائهم، ويمكن تحقيق ذلك بإعطاء أطفالهم الأولوية فيما يتبقى من أوقاتهم بعد الانتهاء من الأعمال الضرورية، من خلال القيام بتخصيص أوقات معينة للتواصل مع أطفالهم مع ضرورة تحديد ساعات معينة يتم فيها إطفاء الهواتف الذكية، والقيام بأنشطة داخل المنزل أو خارجه، مثل القيام بنزهة على الأقدام أو إعداد الطعام سويًا أو القيام بعمل حلقة للقراءة الجماعية يشترك فيها أفراد الأسرة الواحدة  والنقاش بما تم قراءته، ويمكن للآباء استخدام هواتفهم الذكية في أوقات نوم الأطفال أو ذهابهم إلى المدرسة.

 

ما أهمية لغة الجسد في التواصل مع أطفالنا؟

يمكن تعريف لغة الجسد (Body language) بأنها عملية من التواصل الإيجابي غير اللفظي، وتشمل تعبيرات وإيماءات الوجه مثل الابتسامات أو عقد الحاجبين أو حركة اليدين أو القدمين أو نبرة الصوت ويستخدمها معظم الناس سواء بشكل إرادي أو غير إرادي.

تخبر لغة جسدك عند التواصل مع طفلك بأنك مهتم لما يقوله أو ما يشعر به، عندما تتحدث مع طفلك في الوقت الذي تكون فيه محدقًا في شاشة هاتفك دون تواصلك المباشر بالعين معه يخبره بأن ما يقوله غير جدير بانتباهك أو اهتمامك فتظهر عليه نوبات من الغضب أو فرط الحركة لكي يحصل على تركيزك، لذا من المهم إدراك أهمية تواصلك البصري، الأمر الذي يساهم بمنح طفلك الثقة والدفء، كما ويساعده على تعلم كيفية التعبير عن الاهتمام ومنحه للآخرين.

 

أخيرًا.. لا تترددوا في استخدام لغة أجسادكم بطريقة صحيحة للتعبير عن أنفسكم، وتعليم أطفالكم كيفية مواجهة المواقف الحياتية المختلفة، التي تساعد أطفالكم على تطوير مهاراتهم في التواصل الاجتماعي، ونمو ذكائهم العاطفي.

عانقوا أطفالكم عندما يحتاجون للعناق، ولا داعي لإخفاء الابتسامة من وجوهكم عندما يحتاجون أن يروها، لا تولوا لهم وجوهكم عندما يتحدثون إليكم، انظروا جيدًا في أعيُّنهم، واستخدموا نبرة صوت هادئة عندما يواجهون بعض المتاعب في حياتهم.

Scroll to Top