كيف نحمي أطفالنا من الاستسعار الاستهلاكي؟

لو سألنا عن أبرز ما يميز عصرنا الحالي عن سابقه من العصور، لجاءت الإجابة باختصار وبلا منازع: الاستهلاك!

كبر حجم الأسواق والمحلات وزاد انتشارها، بل وتغيرت مسمياتها من بقالة إلى سوبر ماركت إلى هايبر ماركت، وتوفرت المواد الاستهلاكية بأشكال وأنواع وخيارات غير منتهية، وانخفضت الأسعار فقلّت قيمة المنتجات وجودتها، وصار استبدالها بسرعة وبشكل دوري ضرورة في أغلب الأحيان، ثم ظهر لنا التسوق الإلكتروني، فازدادت الخيارات وصار التسوق مريحًا وغير محدد بوقت ومكان، بل أصبح التسوق الإلكتروني أحد طرق التسلية وتمضية الوقت.

والاستهلاك كغيره من الأمور له إيجابيات وسلبيات، إلَّا أن سلبياته على البيئة والناس وسعادتهم ووضعهم الاقتصادي فاقت إيجابياته.

وهنا يأتي السؤال: كيف نحمي أطفالنا من الاستسعار الاستهلاكي؟ وكيف نغرس فيهم منذ الصغر أن يكونوا منفقين ومتسوقين واعين؟

نحاول في هذا المقال الإجابة على هذه الأسئلة، ونقدم لكم طرقًا عملية تساعدكم في هذه المهمة.

 

ازرعوا فيهم العادات الحسنة

عندما يعتاد الطفل على الخروج من كل زيارة للسوق أو للسوبر ماركت بمشترياته الخاصة كالألعاب والحلويات، فلن يقدّر قيمة هذه المشتريات، بل على العكس تمامًا، سيشعر بأنها حق من حقوقه وسيغضب ويستاء إذا لم يحصل عليها.

ومن ثم يكبر هذا الطفل وهو لا يقدّر قيمة الممتلكات، ويصعب عليه التعامل مع أمواله بوعي، لهذا من المهم جدًا غرس قيمة ضبط النفس وتعليمه قيمة الأشياء، والاعتدال في الاستهلاك.

ونقترح أن يكون ما يشتريه الطفل من أمواله الخاصة التي ادخرها ليشتري فيها ما يريده، وأن يكون الأطفال شركاء لكم في اتخاذ القرارات، والمقارنة بين أسعار المنتجات وجودتها، والاختيار بين ما يستعمل على المدى الطويل، وبالتالي يتطلب أن يكون عالي الجودة، وبين المواد الاستهلاكية المؤقتة التي لا تدوم، وعلينا الاقتصاد في استعمالها.

 

الماديات ليست تعبيرًا عن الحب!

يحرص الوالدان على تلبية طلبات أبنائهم بدافع الحب، وقد يشعران بالذنب والتقصير إذا عجزا عن تحقيقها، خاصة عندما يقارن الوالدان ما يمتلكه أبناؤهم بما يمتلكه أبناء العائلات الأخرى.

ولكن تذكروا أعزاءنا الآباء والأمهات أن الماديات ليست مقياسًا للحب، وما تقدمونه لأبنائكم من اهتمام وحرص وقضاء أوقات ممتعة أثمن وأقيم من أي هدية مادية تشترونها لهم، ومهمة الوالدين تهيئة الأبناء للمستقبل وغرس القيم والعادات السليمة داخلهم، ليكبروا وهم قادرون على مواجهة العالم والمشاركة فيه بفاعلية ونجاح.

وعدم تقديم هدايا مادية للأبناء لا يعني عدم الاحتفال بنجاحهم والأحداث الهامة في حياتهم.

ولكن الاحتفال وتقدير الجهود لا يتطلب دائمًا هدايا مادية.

 

ليتعلموا منكم قيمة الأشياء

كونوا قدوة حسنة، فالأطفال يتعلمون ويكتسبون عاداتهم من والديهم، ولكي ينشأ الطفل ويصبح مستهلكًا واعيًا، يجب أن يكون والداه كذلك، وأن يرى العادات الاستهلاكية السليمة والمعتدلة تمارس أمام عينه، وأن يدرك قيمة الأشياء ويتعلم احترام ممتلكاته واحترام الممتلكات العامة وأهمية الحفاظ عليها.

هدايا غير مادية!

الهدايا غير المادية كثيرة جدًا، نقترح منها:

1. تجارب مميزة

أفضل هدية يتلقاها الطفل هي اهتمام من حوله وإحاطتهم به، وتزداد قيمة هذه الهدية إذا كانت من خلال وقت فريد يقضيه الطفل مع عائلته ليكون ذكرى مميزة تبقى معه بقية حياته.

فبدلًا من إهداء الطفل هدية مادية كالألعاب، جربوا أن تقدموا له بطاقة مميزة يحدد فيها موعد ومكان تزوره العائلة معًا، كتخطيط رحلة للبر أو للبحر، أو زيارة متحف، أو السفر، أو زيارة مكان جديد لم يزره من قبل.

 

2. دروس

الهدايا القيّمة هي التي تترك أثرًا في حياة الطفل على المدى البعيد، ليس مجرد شعور عابر يزول مع مرور الوقت.

ومن هذه الهدايا: تسجيل الطفل في دروس تعليمية، كتعلم السباحة أو ركوب الخيل أو البرمجة… وغير ذلك من الأمور التي تجمع بين المتعة والفائدة، ويبقى أثرها معه إلى الكبر.

 

3. حصالة ومن ثم نقود إضافية في المناسبات يتصرفون فيها كما يريدون

كما ذكرنا فإن أحد الآثار السلبية للماديات على الأطفال أنها لا تعلمهم قيمة الأشياء، فلا يدرك قيمة ما يطلبه،

ولا يقدر الجهود التي يبذلها الكبار ليوفروا له طلباته.

ومن الأمور التي تساعد الأطفال على تعلم قيمة المال أن يمتلكوا حصالاتهم الخاصة التي يجمعون فيها أموالهم، ليتصرفوا فيها كيفما يشاؤون، فعندما يقدم الطفل على اقتناء شيء جديد، سيفكر في قيمته والوقت الذي يحتاجه ليجمعها، ويتعلم بهذا كيف يكون مستهلكًا واعيًا، وأن يكون حريصًا في اختياراته وقراراته.

وستزداد فرحته باستقبال النقود في المناسبات الخاصة كالأعياد وعند النجاح، وقد يفضلها على غيرها من الهدايا.

فالأموال وإن كانت هدايا مادية، إلا أنها في هذه الحالة ليست هي المقصودة بالإهداء، بل إن المقصود هو إهداء الطفل هدية الاختيار والاعتماد على النفس واكتساب عادات الإنفاق السليمة.

 

4. هدايا أو تبرعات لناس أو جمعيات يختارونها

العطاء قيمة مهمة، تدخل السعادة على قلوب الآخرين فيسعد المعطي بالمقابل.

وعندما يعطي الطفل يمنحه هذا شعورًا بالرضا عن نفسه وبالفخر، وقد لا يبادر الطفل بهذه الفكرة، فالأطفال بطبعهم يفكرون بما هو منصب في مصلحتهم، ويستأثرون بالخير لأنفسهم، وهذا الأمر طبيعي وليس مدعاة للقلق، كل ما يعنيه الأمر أنهم بحاجة إلى تذكير والديهم ومبادرتهم.

اقترح على طفلك اختيار هدية وتقديمها لشخص عزيز عليه، والأفضل لو كانت الهدية مصنوعة يدويًا، أو اقترح عليه اقتسام هداياه مع شخص آخر، أو اختيار ما يريده من الهدايا التي جاءته والتبرع بما لا يحتاجه منها إلى جمعية خيرية من اختياره.

كل هذا سيشعره بالفخر والاعتزاز، وسينمّي داخله قيمة العطاء.

 

5. اشتراك في خدمة لشراء الكتب أو استعارتها

الكتب كنوز الحياة، يتعلم الطفل منها ويأنس فيها، وفائدة الكتب تبقى مع الطفل إلى الأبد، كما أن بإمكانه مشاركتها مع غيره أو إهداءها إلى شخص آخر ليستفيد منها، فالكتب لا تفقد قيمتها ولو بعد زمن.

كل هذه الأسباب وأكثر تجعل الكتاب هدية مميزة واستثمارًا ثمينًا في حاضر طفلك ومستقبله.

والاشتراك في خدمة لشراء الكتب أو استعارتها يضفي عليها مزايا أخرى: ميزة اختيار الكتاب، والاستمرار في القراءة وتقوية ارتباطه بها.

ومن الكتب التي تطرح أهمية ضبط النفس والتخطيط المسبق، وتقدمها في قصة مصورة مناسبة للأطفال، كتاب (الاستعداد للشتاء).

يحكي الكتاب قصة حيوان الغرير، الذي أمضى وقته باللهو والمرح بينما كانت حيوانات الغابة تستعد للسبات الشتوي، وكيف حل وقت الشتاء فأوشك الغرير على الهلاك لولا أن أنقذه أصدقاؤه.

Scroll to Top