كيف ومن أين يبدأ الأطفال تطوعهم؟

هل سألت نفسك يومًا من أين يبدأ الأطفال تطوعهم؟

بقلم صديقة الدار: زهراء سليمان

 

يُمثل العطاء وتقديم المعونة معاني التكامل والتراحم المجتمعي حيث تُنمي ثقافة التطوع المختلفة، فيُصبح التطوع جزءًا من الثقافة العامة داخل المجتمع.

ولأن التطوع هو حياة ثانية نحياها، فإن تطوع الأطفال بما يتناسب مع قدراتهم وطاقتهم، يُسهم في تكوين شخصيتهم، وتنمي لديهم مبادئ وقيم، كما تجعل من الطفل عضوًا نافعًا لنفسه أولًا ولمجتمعه مستقبلًا.

ولأن التطوع بمفهومه العام: عمل أو نشاط مجاني دون أي مقابل، أو أجر مادي، فهو خير تام لا شر فيه و لا ضرر.

ولهذا نجد أن أول من حثنا على التطوع وفعل الخيرات هو الله سبحانه وتعالى.

الكثير من الآيات التي نجدها تتحدث عن فعل الخير من بينها قوله تعالى: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)، وفي آية أخرى يقول: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً).

وحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلى من أن أعتكف في هذا المسجد شهرًا، ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل).

 

هل أطفالنا بحاجة للتطوع ولماذا؟

يرى بعض الباحثين والمهتمين بالتطوع وعالم الطفولة أن التطوع حق من حقوقهم، وضرورة لصقل شخصياتهم، وزيادة الثقة بأنفسهم، و تطوير مهاراتهم الاجتماعية وغيرها. وهذا كله أثر العمل التطوعي على الطفل، ويمكننا أن نجد الفرق بين الطفل الذي يُمارس التطوع في مجالات مختلفة عن غيره من الأطفال الآخرين، يتمكن الطفل من إيجاد الحلول للمشاكل التي يواجهها.

 

من أين يبدأ تطوع الأطفال؟

يبدأ تطوع الأطفال من المنزل، تستطيع الأم بمهارتها وأسلوبها ومن خلال خبرتها، أن تجعل من التطوع أسلوب حياة في المنزل.

يمكن للأم تكرار كلمة (تطوع) دون الحديث عنه مُباشرة، كأن تقول لأطفالها: من يتطوع معي اليوم في ترتيب المنزل؟

أو من يتطوع معي في تنظيف الحديقة؟ من يتطوع معي في ترتيب ووضع الملابس في الخزانة؟

من خلال تكرار الكلمة في مواقف مختلفة سوف يدرك الطفل أن التطوع هو المُساعدة، وأن يقوم بالشيء بكامل إرادته دون إجبار من أحد.

أو أن تطلب من طفلها الأكبر أن يُساعدها في تعليم طفلها الآخر مهارة ما أو مادة مدرسية، هل يُمكنك التطوع في تعليم أخاك إلى أن أنتهي من عملي؟

تشجيع الطفل على ترتيب غرفته الخاصة، وألعابه يُعد نوع من أنواع التطوع التي تسهم في تكوين شخصيته.

وعلى مستوى العائلة الكبيرة، أو في التجمعات العائلية، يمكن للأهالي تكوين فريق “المتطوعون الصغار”، بحيث يتكون الفريق من عدة مجموعات، كل مجموعة تقوم بمهمة معينة، تتناسب مع طاقاتهم.

مثلًا الطفل الذي لديه مهارة معينة يتفوق فيها على البقية، يقوم بتدريب الأطفال الباقين، أو الطفل الذي لديه مهارة القراءة مثلًا ومتمكن من قراءة القصة، يقوم بقراءة القصة لبقية الأطفال، والطفل الذي لديه حس فني ومهارة في الأشغال اليدوية، يمكنه التطوع لتدريب وتعليم بقية الأطفال.

وهكذا يمكننا تطوير مهارة التطوع للأطفال، والعمل على صقل شخصياتهم.

في المرحلة التالية يمكننا شرح معنى التطوع للأطفال، ومُناقشتهم وإيضاح الهدف لهم من التطوع وأثره عليهم وعلى من حولهم، والأفضل أن يُترك المجال للأطفال بأن يكتشفوا الفوائد من خلال محاورتهم عن اللحظات التي قضوها في التطوع العائلي.

ومعرفة الصعوبات التي واجهتهم إن وُجدت، والإيجابيات، وكيف يمكنهم تجنب الصعوبات في المرات القادمة، أو مواجهتها والتغلب عليها.

وفي المرحلة الثالثة نوسّع دائرة التطوع معهم خارج المنزل، مثلًا حين نخرج إلى حديقة، أو الكورنيش ونجد بعض الأوساخ، نستأذن منهم ونشاورهم هل يمكننا التطوع لتنظيف هذا الجزء المُتسخ؟

ويمكننا الشرح للأطفال أثر التلوث على البيئة والأضرار المترتبة عليه، وبذلك نحن نزيد ونضاعف من حصيلة الطفل العلمية، واللغوية أيضًا، لأنه سيتعرف على مصطلحات جديدة، ونكون قد مارسنا ثقافة التطوع بشكل أكبر.

كما يمكننا عمل فريق تطوعي من الصغار، يقومون بزيارة كبار السن من العائلة، بحيث يقوم الصغار بالتخطيط للزيارة والترتيب لها تحت إشراف شخص كبير بالغ، ليتمكن من توجيههم في الأفكار أو التصرفات التي تحتاج إلى توجيه، كالتصرف أثناء الزيارة، و الوقت المستغرق للزيارة، الحديث الذي سيتحدثون به أثناء الزيارة، وغيرها.

يمكننا بعدها ملاحظة تطور شخصية أطفالنا، و أثر التطوع على سلوكهم بوجه عام.

من جانب آخر على مستوى المؤسسات التعليمية، سواء في المدارس الابتدائية أو رياض الأطفال، يمكن للمعلم/ المعلمة، مُشاركة الأطفال في التطوع عن طريق فكرة أسميناها  “المعلم المتطوع”، بحيث يشارك فيه الطالب المتفوق في مادة ما، أو مهارة مختلفة، بتعليم الأطفال الآخرين.

من هنا يكون المعلم حقق عدة أهداف من بينها برنامج (Child to Child)، وهو برنامج يقوم على مُشاركة التعليم، أي يقوم طفل بتعليم طفل آخر، حيث أن التفاعل في التعليم من الطفل إلى طفل آخر تُعد وسيلة أساسية يتعلم الأطفال من خلالها المُشاركة.

ويعمل الأطفال معًا لدعم التعلم الرسمي وغير الرسمي لبعضهم البعض ثم يستخدمون هذا التعلم كأساس للعمل لإيجاد التغيير في مجتمعهم.

وقد منحت اليونيسف (Child to Child)، جائزة موريس بات المرموقة للابتكار، ووصفت “طفل إلى طفل” بأنها وسيلة ثورية لتمكين المجتمعات من تحسين حياتهم من خلال الأطفال.

وبذلك يكون المعلم قد حقق عدة أهداف في نشاط واحد، تطوع، تعليم، تطوير مهارات، إعطاء فرصة للأطفال وأصواتهم لتمكينهم من النمو النفسي، تطوير قدرات الأطفال على اتخاذ القرارات وحل المشكلات، تنمية مهارة الذكاء العاطفي، وتطوير قدرة الأطفال على التواصل الاجتماعي.

من جانب آخر خارج التعليم أيضا يمكن للمعلم تكوين فريق تطوعي يضم الطلاب، ويقسمهم إلى عدة مجموعات، بحيث كل مجموعة لديها مهمة مختلفة عن الأخرى، كفريق الزراعة والذي تكون لديه مهمة تشجير المؤسسة التعليمية، ويمكن للمعلم تزويد الأطفال بمعلومات مختلفة عنها، تمكن الأطفال المشاركين من الحديث والشرح إلى أطفال آخرين عن أهمية الزراعة، وطرق الزراعة والأدوات المُستخدمة فيها.

ومثلًا فريق آخر يكون الفريق الفني، بحيث تكون هذه المجموعة مهمتها نشر الفن المختلف، كالرسم مثلًا.

ومجموعة أخرى تهتم بتنظيم المناسبات المدرسيّة، والرحلات، ومجموعة أخرى تهتم بالجانب الرياضي، ومجموعة الإعلام، وغيرها الكثير من الأفكار التطوعية.

وبهذه الطرق وغيرها من الأفكار نكون قد عمّقنا مفهوم التطوع كقيمة إنسانية، ووضعنا له أساس في المجتمع، وسينشأ الأطفال على حب التطوع وتقديره، ولديهم شخصية راقية وواعية لديها من الحس ما يمكنها من خدمة مجتمعها بصورتها الأجمل والأكمل، متمسكة بقوله سبحانه وتعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}.

Scroll to Top